الصفحة الرئيسية المقالات أمنيات مشروعة لكنها ممنوعة

أمنيات مشروعة لكنها ممنوعة

25/11/2015

إيهاب زكي، ذلك الشاب صاحب الخامسة والعشرون ربيعا والتي قضى خمسة عشر منها على سرير الشفاء في مدينة الحسين الطبية، وتحديدا في قسم العناية الحثيثة في مستشفى الحسين، عرفناه طفلا، الابتسامة تملأ محياه ولكنها تخفي ورائها الكثير من الحزن على ما فاته وهو ينتظر بصيص أمل يعيده إلى حياة طبيعية ليعيش بين أفراد أسرته . 


إيهاب الذي لا يعرف من طفولته إلا المستشفى، صاحب الصوت الذي يجبرك على وضع أذنك بالقرب من شفتاه المرتجفتان حتى تستطيع سماع كلماته الرقيقة ...ذا العينين الواسعتين المليئتين بالأمل، الناظرتين لمستقبل أفضل من ماضيهما وحاضرهما، بعيدتين عن شريط الصور اليومي التي اعتادتها... صاحب الجسم النحيل الذي ينمو ببطء شديد أو لا يكاد ينمو أبدا، مستعينا بالنظر باتجاه السماء بدلا من رفع أكف الضراعة لأنه لا يستطيع رفع يديه إلى الأعلى أبدا ممنيا النفس بأن يفك العزيز القدير أسره من قيود سرير الشفاء ومتخليا عن أجهزته الطبية وأصواتها التي أصبحت هي حياته والتي لم تعد تفارق مسامعه حتى وهو نائم. 


إيهاب الذي يرقد على سرير الشفاء منذ العام 2000 وتحديدا عندما كان يبلغ من العمر عشر سنوات بعد أن تعرض لحادث سقوط من على سور بيته في المملكة العربية السعودية، تعرض خلاله إلى إصابات في الرأس والعمود الفقري والتي أدت بعدها إلى ضمور في العضلات والجهاز التنفسي، وهو الآن يعيش بواسطة أجهزة التنفس الاصطناعية معتمدا عليها بعد الباري جلت قدرته لإكمال هذه الحياة التي لم يعرف منها إيهاب إلا المرض. 


يقول إيهاب وهو يروي ما مر به أنه كان يلعب مثل أي طفل آنذاك ولو انه يعلم ما كان القدر يخبأ له لما تسلق السور ولما خرج من غرفته أبدا ولكنها حكمة الله وقضائه وقدره. 

ويقول بأنني مكثت في غيبوبة دامت شهرين في إحدى مستشفيات المملكة العربية السعودية، وبعدها قرر أهلي المجيء بي إلى الأردن لأن تكاليف العلاج كانت باهظة حيث حصلت على إعفاء من الديوان الملكي العامر لإكمال علاجي على نفقتهم الخاصة هنا في أردن أبي الحسين أطال الله في عمره. 


وعندما سألناه عن أمنياته التي يحلم بها أجاب والدموع التي كان يحاول إخفائها تملأ عيناه، وبصوت تخنقه العبرات أنه يتمنى أن يمن الله عليه بالشفاء وأن يغادر المستشفى التي أصبحت بيته منذ خمس عشرة عاما قضاها على نفس السرير وأن يعود إلى أسرته ليتوسد يد والديه عند النوم وينعم برؤية إخوته وأصدقائه بعودته إلى المدرسة راميا هذه الخراطيم(أجهزة التنفس الاصطناعي) بعيدا دون العودة لها أبدا. 


أما عن مشاعره فقد تحدث بحزن قائلا على الرغم من الصبر الذي أتحلى به منذ حادث السقوط والأمل الذي انتظره لكنني محبط دائما بسبب شعوري بان هذا المكان هو قدري ومحياي ومماتي.

وذكر إيهاب بأنه تعلم من هذه الحياة الصبر وأن لا يقطع الأمل بالله عز وجل وبأنه سعيد جدا بمعرفته بكثير من الأشخاص الذين أصبحوا بمثابة الأصدقاء له من أطباء وممرضين وعاملين في المستشفى وزوار ومراجعين حيث اقضي معظم وقتي بالتحدث معهم بأمور الحياة العامة، لكن تزعجني كثيرا نظرة الشفقة في أعين بعضهم ولا أحبها أبدا، بل أحب من يعاملني كصديق أو كأخ ولا يعاملني كمريض، لأن الصداقة من أهم معانيها هي نسيان الشخص آلامه وهو قريب من أصدقائه وليس العكس بإشعاره بأنه مريض وعاجز، وأكره أيضا سؤال بعضهم عن المدة التي قضيتها في المستشفى. 


ومن الأشياء التي تدخل السرور إلى قلبي هو وجود أي شخص من أفراد أسرتي إلى جانبي، لكن زيارتهم لي قليلة بعض الشيء لانشغالهم في أعمالهم ودراستهم وسعيهم وراء لقمة العيش، حيث تزورني والدتي باستمرار تقدم لي الطعام بيديها الحنونتين وتقضي لي بعض احتياجاتي، أما والدي فقلبه يعتصر ألما على حالتي الصحية التي جعلتني رقيد الفراش.


وفي نهاية الحديث قدم إيهاب جزيل الشكر وعظيم الامتنان لجلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة وللديوان الملكي العامر على ما قدموه له من تسهيلات بحصوله على إعفاء طبي لإكمال علاجه على نفقتهم الخاصة، وشكر أيضا القوات المسلحة ممثلة بمديرية الخدمات الطبية الملكية على العلاج والرعاية الصحية العظيمة التي يقدموها له من أطباء مشرفين على حالته المرضية أو ممرضين سهروا معه كل الليالي بحلوها ومرها على مدار الأعوام السابقة. ولمعرفة رأي الطب عن حالة إيهاب الصحية تحدثنا مع العقيد الطبيب حسين الشعلان رئيس قسم العناية الحثيثة في مدينة الحسين الطبية والذي قال بأن إيهاب وصل إلى مدينة الحسين الطبية قبل خمسة عشر عاما حيث كان مصاب بشلل رباعي ناتج عن كسر الفقرات العنقية اثر حادث سقوط، ومنذ ذلك التاريخ وهو في قسم العناية الحثيثة لكونه معتمدا اعتمادا شبه تام على جهاز التنفس الاصطناعي، ووضعه العام باستثناء ما ذكر مستقر من حيث التفاعل والتخاطب وعمل الأجهزة الحيوية والطعام والشراب والحديث. 


وأضاف بان إيهاب الآن في الخامسة والعشرون من العمر حيث زرع له جهاز خاص قبل ثلاثة أعوام لتنظيم عمل الحجاب الحاجز لتقليل اعتماده على جهاز التنفس الاصطناعي، ولا يزال لديه ولدينا الأمل بأن يتوصل العلم والطب الحديث لعلاج ناجع لحالته الصحية وحالات كثيرة شبيهة لنفس الحالة، وقد يكون للخلايا الجذعية دورا مستقبليا في العلاج لكنها الآن في طور البحث والتطوير.